Email: elie@kobayat.org

back to 

 

أحد الشعانين

(16/03/2008)

"بأفواه الأطفال والرضَع، أسست لك عِزَةً"

مقدّمة
أحبَ الرب أورشليم حباً عظيماً وفيها ومن أجلها جاد بنفسه على الصليب.
لقد اختبر الرسول بولس هذا الخلاص بيسوع ومن هنا جاءت رسالته إلى أهل فيليبي وبالرغم من قيوده ، رسالة شكر لله وصلاة وتمجيد.
أما إنجيل هذا الأحد، فيخبرنا عن دخول الرب يسوع أورشليم ملكاً راكباً على جحش ابن أتان.
إستقبله الأطفال, فرأوا فيه البرارة التي في قلوبهم وعرفوا فيه المسيح الذي جاء ليُرجع للإنسان كرامته وعظمته .
هؤلاء الأطفال، كانوا صغاراً في عالمهم ولكنهم كانوا كباراً في عالم الله.
فأولادنا الذين نراهم اليوم حاملين الشموع وأغصان النخل والزيتون يحثوننا، من خلال فرحهم وحماسهم، على أن نحبّ الرب يسوع.
بهذا الإحتفال تبدأ مسيرة آلامه وموته وقيامته.
نداء الرب اليوم لكل إنسان ومهما كان أن يكمِل الدرب معه حتى الموت والقيامة.
أخي المؤمن،
نحن مدعوون لنُعيد لكل إنسان كرامته وقيمته التي هي من عند الله , فهل فكَرنا يوماً بالإهتمام والإصغاء للآخر وخاصة أطفالنا؟
أطفالنا يكشفون لنا عن وجه الرب, فمن يكشف لهم عن هذا الوجه عينه؟

 

الاب جوزف غصن

خادم رعيّة مار جرجس – القبيات غوايا
(زمن الصوم 2008)

 

 

 

صلاة

افتَح يا ربُ أفواهَنا، وأطلقْ عقالَ ألسنتِنا، وأعطنا قلوبَ اللأطفال لنشتركَ معهم بلقائك، ونهتف لك بأصوات «هوشعنا».واجعلنا أن لا نكتفي بالْهتاف فقط بل نسير معك إلى ما تريد، حتى الصليب، ونصلُب هناك ميولَنا التي تَجنحُ بِنا إلى الشر،ونصلب، أيضًا، كل شهوة وكل عاطفة تبعدنا عنك.
يا يسوع الْحنون، دخلتَ أورشليم ظافرًا، وصُلِبتَ في أرضِها لِتُخَلِّصَنا بصليبِك، وتُحيِّنا بِموتك، فاجعلنا أن نكون مع الْمُعَيِّدين لك حاملين أغصان شرايِين قلوبنا، وعواطفنا ومَحَبَّتنا الْمُخلِصة لك لِترحَمنا وتُخلِّصَنا من كل ميول الْجسد ونَقِّنا بِجسدِك، وطَهِّرنا بدمك، لنكون معك في الفردوس لِنسبِّحك مع الآب والروح القدس إلى الأبد + آميــن.

 

الرِّسالة

 مِنْ بُولُسَ وطِيمُوتَاوُس، عَبْدَي الـمَسيحِ يَسُوع، إِلى جَميعِ القِدِّيسِينَ في الـمَسِيحِ يَسُوع، الَّذِينَ في فِيلِبِّي، مع الأَساقِفَةِ والشَّمامِسَة: أَلنِّعْمَةُ لَكُم، والسَّلامُ منَ اللهِ أَبينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح!
أَشْكُرُ إِلـهِي، كُلَّمَا ذَكَرْتُكُم، ضَارِعًا بِفَرَحٍ على الدَّوَامِ في كُلِّ صَلَواتِي مِنْ أَجْلِكُم جَمِيعًا، لِمُشَارَكَتِكُم في الإِنْجِيلِ مُنْذُ أَوَّلِ يَومٍ إِلى الآن.
وإِنِّي لَوَاثِقٌ أَنَّ الَّذي بَدأَ فِيكُم هـذَا العَمَلَ الصَّالِحَ سَيُكَمِّلُهُ حتَّى يَومِ الـمَسِيحِ يَسُوع. فَإِنَّهُ مِنَ العَدْلِ أَنْ يَكُونَ لي هـذَا الشُّعُورُ نَحْوَكُم جَمِيعًا، لأَنِّي أَحْمِلُكُم في قَلبي، أَنْتُم جَميعًا شُرَكائِي في نِعْمَتِي، سَواءً في قُيُودِي أَو في دِفَاعِي عَنِ الإِنْجِيلِ وتَثْبِيتِهِ،فَإِنَّ اللهَ شَاهِدٌ لي كَمْ أَتَشَوَّقُ إِلَيكُم جـَمِيعًا في أَحْشَاءِ الـمَسِيحِ يَسُوع.
وهـذِهِ صَلاتي أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُم أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في كُلِّ فَهْمٍ ومَعْرِفَة، لِتُمَيِّزُوا مَا هُوَ الأَفْضَل، فتَكُونوا أَنْقِيَاءَ وبِغَيْرِ عِثَارٍ إِلى يَوْمِ الـمَسِيح، مُمْتَلِئِينَ مِن ثَمَر البِرِّ بِيَسُوعَ الـمَسِيحِ لِمَجْدِ اللهِ ومَدْحِهِ.
أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا، أَيُّهَا الإِخْوَة، أَنَّ مَا حَدَثَ لي قَد أَدَّى بِالـحَرِيِّ إِلى نَجَاحِ الإِنْجِيل، حتَّى إِنَّ قُيُودِي مِن أَجْلِ الـمَسِيحِ صَارَتْ مَشْهُورَةً في دَارِ الوِلايَةِ كُلِّهَا، وفي كُلِّ مَكَانٍ آخَر.
(فل1\ 1-13)

 

حول الرِّسالة

رسالة فيليبي تسمى رسالة الفرح وفيها يصل بولس في الفصل 13 الى القول: "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا".
اختارت الكنيسة هذا المقطع من الرسالة، في هذا اليوم، بما أنَّه يوم فرح كما افتتحت الصوم بإنجيل عرس قانا الجليل لتكون فترة الصوم هي فترة استعداد وفرح وشوق للقاء الرب.
بولس يعرب عن شكره لله ولجماعة فيليبي عن مساعدته ومشاركته في الرسالة التي أوكلت إليه، المساعدة المادية أو المساعدة الروحية بالصلاة أو معنوية وكل ذلك من أجل تقدُّم الإنجيل.
كلمة شراكة باليونانية هنا تعني العصا او النير الذي يربط ثورين يجران نورج أو آلة فلاحة فيتساويان بالعمل ويقصد بولس أنه أصبح بينه وبين أهل فيليبي شراكة وتلازم ومساواة.
يظهر فرحه لأنه يرى في جماعة فيليبي الهدف الذي يصبو إليه، ويرسلها إلى القديسين الفقراء مادياً والأغنياء بعطائهم.
أما عندما يتكلم عن أحشاء يسوع فالأحشاء مركز العواطف والإحساس ، وكون المسيح يحيا في بولس صارت أعضاء وعواطف وفكر بولس هي نفسها أعضاء وعواطف وفكر المسيح فصارت محبَة بولس لهم هي نفسها محبة المسيح لهم .
وهذه المحبة التي يعطينا إياها المسيح بالروح القدس تختلف عن المحبة والعواطف البشرية. وهذه لمحة عن المحبة البشرية :
1. يمكن أن نحب إنساناً أكثر من إنسان آخر .
2. غالباً ما تكون المحبة البشرية آنية.
3. المحبة البشرية يمكن أن تتحول إلى كراهية، وكم من الخلافات حتى اليومية تحصل نتيجة تقلبات أصدقاء أو أحبة. فالعاطفة البشرية تظهر سريعاً وتختفي سريعاً.
الخلاصة من هذه الرسالة أن نعيش الفرح، فرح المشاركة في نمو نفوسنا وفي نمو الآخرين وعيشهم الإنجيل. بهذا نستحق الدخول إلى بيت الرب ونشترك في ذبيحة الإفخارستيا ونكون مستحقين أن يقال لنا الأقداس للقديسين.

 

الإنجيل

في الغَد، لَمَّا سَمِعَ الـجَمْعُ الكَثِير، الَّذي أَتَى إِلى العِيد، أَنَّ يَسُوعَ آتٍ إِلى أُورَشَليم، حَمَلُوا سَعَفَ النَّخْلِ، وخَرَجُوا إِلى مُلاقَاتِهِ وهُمْ يَصْرُخُون: "هُوشَعْنَا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبّ، مَلِكُ إِسرائِيل".
ووَجَدَ يَسُوعُ جَحْشًا فَرَكِبَ عَلَيْه، كَمَا هُوَ مَكْتُوب: "لا تَخَافِي، يَا ابْنَةَ صِهْيُون، هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي رَاكِبًا عَلى جَحْشٍ ابْنِ أَتَان".
ومَا فَهِمَ تَلامِيذُهُ ذـلِكَ، أَوَّلَ الأَمْر، ولـكِنَّهُم تَذَكَّرُوا، حِينَ مُجِّدَ يَسُوع، أَنَّ ذـلِكَ كُتِبَ عَنْهُ، وأَنَّهُم صَنَعُوهُ لَهُ. والـجَمْعُ الَّذي كَانَ مَعَ يَسُوع، حِينَ دَعَا لَعَازَرَ مِنَ القَبْرِ وأَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، كَانَ يَشْهَدُ لَهُ. مِنْ أَجْلِ هـذَا أَيْضًا لاقَاهُ الـجَمْع، لأَنَّهُم سَمِعُوا أَنَّهُ صَنَعَ تِلْكَ الآيَة.
فَقَالَ الفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُم لِبَعْض: "أُنْظُرُوا: إِنَّكُم لا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هَا هُوَ العَالَمُ قَدْ ذَهَبَ ورَاءَهُ!".
وكَانَ بَينَ الصَّاعِدِينَ لِيَسْجُدُوا في العِيد، بَعْضُ اليُونَانِيِّين. فَدَنَا هـؤُلاءِ مِنْ فِيلِبُّسَ الَّذي مِنْ بَيْتَ صَيْدَا الـجَلِيل، وسَأَلُوهُ قَائِلين:"يَا سَيِّد، نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع".فَجَاءَ فِيلِبُّسُ وقَالَ لأَنْدرَاوُس، وجَاءَ أَنْدرَاوُسُ وفِيلِبُّسُ وقَالا لِيَسُوع.
(يو 12: 12-22)

 

 

فهم الإنجيل – عيش الإنجيل

تشكل رتبة الشعانين في السنة الليتورجيّة المارونية، حدثاً مفصلياً لأنها تعتبر المدخل الأساسي لأسبوع الآلام العظيم والذي فيه تختبر الكنيسة مفاعيل الآلام الخلاصية، وصولاً لعيش الاختبار الأسمى في أحد القيامة الكبير. ولرتبة الشعانين الأساس الكتابي والتاريخي الواضح المعالم، فالمسيح دخل أورشليم دخول الملوك ليموت موت اللصوص والمجرمين. لهذا يتوسط أحد الشعانين، مسيرة المسيح التعليمية وحياته التكفيرية.
في أحد الشعانين، يُحتفل بتبريك أغصان الشعانين ويستعيد المؤمن لحظة دخول المعلِّم الإلهي، فيعيش هذا التذكار كحدث فاعل في عالم اليوم. وفي رتبة الشعانيبن، يعبرالمؤمن من لوحة الرموز إلى ملامسة الحقيقة الخلاصية، وهي أن السيِّد يأتي ليعيد تشكيل الطفولة الروحية لكل منّا.
كلمة الشعانين : (هو \ شعنا) تعني (يا رب \ خلص).هي هتاف شعبي أي (المجد للرب).
بهتاف الجماهير " هوشعنا" يظهر بُعد آخر من ملوكية المسيح والكنيسة هو " الخلاص بالمسيح". نعلن في عيد الشعانين ان لا خلاص إلاّ بيسوع المسيح الملك الحقيقي الذي اتى ليشركنا في الخلاص الشامل والابدي.
كان الناس يلوحون بأغصان النخل علامة الفرح والانتصار، وقد اختلط النخل بأغصان الزيتون، وكأن روح النصر قد امتزجت بروح السلام (سعف النخيل شعار لنصر المسيح على الموت بالموت وأغصان الزيتون رمز للسلام الآتي).
فبالاشتراك بعيد الشعانين وبالتطواف الذي نقيمه مع اطفالنا وشبيبتنا بالشموع وسعف النخل واغصان الزيتون، هو اعلان لملوكية المسيح، ولانتمائنا الى مملكته.
علينا الآن أن نُعَيِّد بفطير الإخلاص والْمحبة والْحق وعندها نستحق أن نصرخَ مع أطفال أورشليم: « هوشعنا لابن داوود، مبارك الآتي باسم الرب» (مت 21/9)، ونفرش أمامه قلوبَنا ونقول له: "كن ملكًا على قلوبنا وعيالنا وبيوتنا وبلادناووطننا وشبيبتنا، وخلِّصنا من كل ملوك الوثن، ومااكثرها اليوم، لتُزهِرَ فينا شعانين الإيِمان والرجاء والْمحبة والندامة الكاملة لِنَحظى بالْحياة الأبدية ونسبِّح الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد + آمين".

 

خاطرة

تقول لي: "عندي فقرائي ".
كلا، لا انت ولا أنا عندنا " فقراؤنا ". ليس الفقراء لنا انما نحن لهم .
(راوول فوليرو)

 

الشدياق جوزيف أنطون
(زمن الصوم 2008)


تأمل: أيُّ "هو شعنا" تريد؟

هوذا الملك يدخل أورشليم راكباً "جحشاً ابن أتان"، تحيط به الزغاريد وهتافات ال"هو شعنا" (أعطِ الخلاص)... خرجوا إلى الشوارع والأزقّة منشدين بأعلى أصواتهم:" مباركٌ الآتي باسم الربّ"وكلّهم أمل بأنّ الله أرسل ابنه يسوع ليعتقهم من نير الذلّ في ظلّ الرومان.
أعلنوا انتصارهم بحملهم سعف النخل في استقبال الملك الآتي على خلفية إحياء لعازار من القبر، فقد تحقّق حلمهم الموعود، لكنّهم لم يروا فيه إلاّ مُلبٍّ للحاجات والرغبات وألبسوه صورة "القّوة التي تحكم" في صنعه المعجزات... أرادوه ملكاً لعالمهم ولم يدركوا أنّ "مملكته ليست من هذا العالم".
ربّما كانوا قد هيّأوا له الأحصنة والمواكب الملوكيّة كي يدخل بها المدينة كما يليق بملوك الأرض ولكنّه اختار"ابن الأتان" ذاك كي يكشف لهم عن سرّه: فمُلكه ليس بالأبّهةِ ومظاهر القوّة والنفوذ بل يقوم على التواضع والمحبّة والسلام، ليس على قرع الطبول ووفود الرسميين بل على عفوية الشعب وصدق المشاعر.
مشوا معه الطريق حتّى انتهاء المسيرة وتوقّفوا مكتفين بالهتاف. أمّا هو، فصامتاً مبتسماً كان، وعيناه تجولان ِ في المشهدِ الاستعراضيّ وفي المُنْتَشين من الفرح، تغمرهما نظرةُ أسىً على أهل ِ اليوم وأغراب الغدِ الآتي بكلّ ما سيحملون من تقليب ٍعليه وتقَلُّب ٍفي المواقف...
وكما في كلّ مرّة، كان الفرّيسيين هناك يترقّبون، خائفين من هيجان الشعب: فقد ازداد أتباع يسوع، هو من واجههم في كلّ الكتاب بحقيقة الله وابنه الذي"هو". ارتعدوا من فكرة خسارة مراكزهم، سلطتهم والإصغاء إلى تعاليمهم إذ بات المسيح هوَ المعلّم والمرجع ، أمّا هم، فأضحوا صفحات ٍ من الشريعة تعمي قلوبهم عن الحقّ وتبعدهم عن الحبّ.
- كم من المرّات نعملُ، كالفرّيسيين، على استرعاء انتباه الآخر بهدفِ جَذبهِ نحونا بَدَلَ أن نُحيلَ انتباهه إلى المسيح كي يراه، يحبّه فيتبعه؟
- ألا نكتفي غالباً بيسوع الترنيمة، يسوع الصورة أو الأيقونة على صدورنا ونقف كالأورَشَليميين عند هذا الحدّ مرددين ما سمعناه عنه لا مبشّرين بما اختبرناه معه؟
- أطفالنا باتت وحدها تحيي هذا العيد مع الشموع المُضاءة رمزاَ ليسوع نور العالم، أمّا دورنا فيقتصر فقط على مرافقتهم ، مُتّشحين بالجديد من الملابس والقديم من التقاليد والهتافات الّتي فرّغناها من مضمونها : هَلا ّ هتفنا "هو شعنا" أي أعطنا الخلاص ، مؤمنين بأنّه قادرٌ أن يهبه لنا : الخلاص من الأنا والفتور، من الغضب وإدانة الآخر، من اللامبالاة والنميمة، من الاستغلال وهدر حقوق الآخر، من حُجّة"لا وقت لديّ "؟
تعالَ يا صديقي لنُضيءَ شمعة المسيح في قلوبنا وَندَعْ نوره يملأ حياتنا مُبَدّدا ً ظلمتنا فلا نتعثّر ونسقُط.

 

السيدة جميلة ضاهر موسى
yamiledaher@hotmail.com