Email: elie@kobayat.org

back to 

أَحَد مولد يوحنا المعمدان

 (09/12/2007)

 

صلاة

يا ربّ، نَشكُرُكَ على حَنانِكَ الّذي أظهَرتَهُ في ميلادِ يوحنّا المَعمَدان، والّذي يتَجلّى في حياتِنا في كُلَّ مَرَّةٍ نتَصالَحُ مَعَكَ فيها،في سرِّ المُصالَحَة. أهِّلنا لنَكونَ على الدّوام شُهُوداً لِهذا الحنان بينَ أهلِنا ورِفاقِنا فَنَستَحِقَّ المُشارَكَة في سِرِّ حُضُورِك الدائِمِ بَيننا، سرِّ الإفخارستيا، لِنَستَعدَّ للتَوَحُّدِ الدائِمِ فيكَ، في البَيتِ السّماوي، يا ربّنا وإلَهَنا، لَكَ المَجْدُ إلى الأبَد، آمين.

 

سؤال لفحص الضمير

غَيَّرَ زكَرِيّا وأليصابات تقليداً أساسيّاً عندما أطلقا على المولودِ الجديد اسمَ يوحَنّا. هَل لَدَيَّ الجَرأَة لأَكسُرَ بَعضَ التقاليدِ الّتي قَد تُعيقُني عن تَحقيقِ إِرادَةِ الله في حياتي ؟

 

الرسالة

 قولُوا لي، أَنتُم الَّذينَ تُحِبُّونَ أَن تَكونوا تَحْتَ النّاموسِ، ألا تَسْمَعُونَ النَّاموسَ ؟ إنَّهُ مَكتوبٌ : "كانَ لإِبراهيمَ ابنان : أَحَدُهُما مِنَ الأَمَةِ، والآخَرُ مِنَ  الحُرَّةِ".

أمّا ذَاكَ الَّذي مِنَ الأَمَةِ، فَقَد وُلِدَ بِحَسَبِ الجَسَدِ، وَأَمّا الَّذي مِنَ الحُرَّةِ، فَقَد وُلِدَ بِحَسَبِ المَوعِدِ. وَهاتان صورَتا العَهْدَين : إِحداهُما مِن طورِ سينا. تَلِدُ لِلعُبودِيَّةِ وَهِيَ هاجَر، لأنَّ هاجَر هِيَ جَبَلُ سينا الَّذي في بِلادِ العَرَب، وَتَنطَبِقُ على أُورَشَليم، وَهِيَ تَخدُمُ وَبَنيها لِلعُبودِيَّةِ. أمّا أُورَشَليمُ العُليا، الَّتي هِيَ أُمُّنا، فَهِيَ حُرَّة، لِأَنَّهُ مَكتوب : "إِفرَحي أيَّتُها العاقِرُ، الَّتي لَم تَلِد، وَابتَهِجي وَاهتِفي يا مَن لَم تَتَمَخَض. لأنَّ أبناءَ المَهجورَةِ، أَكثَرُ مِن أَبناءِ المُتَزَوِّجَة".

فَنَحنُ يا إِخوَتي، أبناءُ المَوعِدِ مِثلُ إسحَق. وَكما كانَ الَّذي وُلِدَ بالجَسَدِ يَضطَهِدُ الَّذي وُلِدَ بالرُّوحِ، فكَذَلِكَ هِيَ الآنَ أيضاً. وَلكِن ما يَقولُ الكِتاب ؟ : "أُطْرُدِ الأَمَةَ وابنَها، حتَّى لا يَرِثَ ابنُ الأمَةِ مَعَ ابنِ الحُرَّة". فَنَحْنُ الآنَ، يا إِخوَتي، لَسنا أَبناءَ الأَمَةِ، بَل أبناءُ الحُرَّة. وَلأَنَّ المَسيحَ حَرَّرنا، فاثبُتوا الآنَ في هَذِهِ الحُرِّيَة، ولا تَعُودوا إلى نيرِ العُبودِيَّة.                  

(غل 4 : 21؛ 5 : 1)

 

الإنجيل

لما حانَ زَمَنُ أَليصاباتَ لِتَلِدَ، وَلَدَت ابناً. فَسَمِعَ جيرانُها، وأَنسِباؤُها، أَنَّ اللهَ أَكْثَرَ رَحْمَتَهُ لَها فَفَرِحوا مَعَها. وكانَ اليَومث الثامِن، فَجاؤُوا لِيَختُنوا الطِّفلَ، فَدَعُوهُ باسمِ أبيهِ زَكَرِيّا.

فأجابَت أُمُّهُ وقالَت لَهُم : "لا. بَل يُدعى يوحَنّا".

فَقالوا لَها : "لَيسَ أَحَدٌ في عَشيرَتِكِ يُدعى بِهَذا الاسم".

وأَشاروا إلى أبيهِ، بِماذا يُريدُ أن يُسَمِّيَهُ. فَطَلَبَ لَوحاً وكَتَبَ وَقالَ : "اسمُهُ يوحَنّا". فَتَعَجَّبَ الجَميعُ. وَلِلحالِ انفَتَحَ فَمُهُ وَلِسانُهُ، وَتَكَلَّمَ وبارَكَ الله. وَغَشِيَ الخَوفُ جَميعَ جيرانِهِم، وَتُحُدِّثَ بِهَذا في جِبالِ اليَهودِيَّةِ كُلِّها.

وَجَميعُ الَّذينَ سَمِعوا، كانوا يُفَكِّرونَ في قُلوبِهِم وَيَقولون : "ما عَساهُ أَن يَكونَ هَذا الصَبِيّ؟" وَيَدُ الرَّبِ كانَت مَعَهُ.               

(لو 1: 57-66)

 

فهم الإنجيل

وُلِدَ يوحَنّا لوالِدَين عَجوزَين، لا سِيَّما زَكَرِيّا. فأَرادَ الجيرانُ وَالأَنسِباء أَن يُعطوا الوَلَدَ اسمَ أبيهِ، لتخليدِ ذكرى هذا العَجوزِ القريبِ مِن قَبرِه، عِلماً أنَّ التَقليدَ المُستَمِرّ حتّى أَيامِنا يَقضي بِإِعطاءِ الوَلَدِ اسمَ جدِّهِ.

لَكِنَّ زَكَريّا وأليصابات فضَّلا أَن يُعطيا الصبي اسمَ يوحنّا، وَهُوَ الاسمُ الذي اختارَهُ لَهُ الرّب ومَعناه : "الله تَحَنَّن"، وَهوَ العلامَة أَنَّ الوَلَدَ عطيَّةُ خيرٍ وَبَرَكة مِنَ الرّب، جَعَلَت الوالدَ الأَبكَم ينطُقُ والأمَّ العاقِر تَلِد والصَّبيَ المَولُود يحمُلُ إسماً غيرَ مَألوف يَشهَدُ لمَحَبَّةِ اللهِ وَأَمانَتِهِ.

 

عيش الإنجيل

كُلُّ وِلادَةٍ هِيَ حَدَثٌ مُنتَظَر، يَزرَعُ الفَرَحَ لدى الأهلِ والأصدقاءِ والمعارِف. فالوِلادَةُ علامَةٌ لِلحَيَاة الّتي هي أوّلاً عَطِيَّةٌ مِنَ الله وثانياً تجاوُبٌ مِنَ الإنسانِ الّذي يَضَعُ كُلَّ إِمكاناتِهِ في تَصَرُّفِ الرّب.

وَالوَلَدُ – العَطِيَّة يَتَطَلَّبُ إِهتِماماً خاصّاً على المُستَوَياتِ الصِحِيَّة والغِذائِيَّة، وَلَكِن أيضاً على المُستَوَياتِ الثَقافِيَّة وخاصَّةً الرُّوحِيَّة.

قال أَحَدَهُم : " نَحنُ لا نَرِثُ أرضَ آبائِنا وإنّما نَستعيرُ أرضَ أولادِنا".

إن فَكَّرنا بِهَذا المَنطِق، يَجِب أن نُعيدَ النَظَر في طَريقَةِ تعامُلِنا مَعَ أَولادِنا :

ü   بَدَل أَن نُعطيهِم الحياة فقط، لِنُعَلِّمهُم كَيفَ يَعيشون،

ü   بَدَل أن نَورِثهُم الأراضي الفانيَة فقط، لِنُعَلِّمهُم القِيَم التي تُكسِبُهُم الوَطَنَ الأَبَديّ،

ü   بَدَلَ أَن نورِثَهُم الاسم والعائِلَة فقط،لِنَجعَلهُم فخورين بما يَشهَدونَ مِن تصرُّفاتنا،

ü   بَدَلَ إرثِ الخلافات الّذي نترُكُهُ لَهُم، لِنَجعَلهُم يُدرِكونَ أَنَّ الحياةٌ قصيرةٌ جِدّاً لِنُمضِيَها في خلافاتٍ تَبقى سَخيفَةً أمامَ حقيقَةِ المَوتِ والحَياةِ.

أتى  يوحَنّا لِيَشهَدَ لِحمَلِ الله الّذي سَيحمُلُ السلامَ الحَقيقيَّ إلى العالَم. وَنَحنُ بِدَورِنا مَدعوونَ لنُجَدِّدَ، مَعَ كُلِّ وِلادَةٍ، إيماننا بالحَياةِ وبِقِيَمِ العائِلَة الّتي بَدَأَت تَتَعرَّضُ للاهتزاز، مَعَ ما يَشهَدُهُ عالَمُ اليوم مِن اعتِداءاتٍ وانتِهاكاتٍ لأَبسَطِ حُقوقِ الإنسان : الإجهاض، مُحاولات الاستنساخ البَشَريّ، قَتلِ الأبرياء...

جَمَعَ يوحنا بِوِلادَتِهِ الأَقرِباء والأَبعَدين، لنُصَلِّ لتَعودَ عائِلاتُنا، خاصَّةً المُفَكَّكَة، وَتَجتَمِعَ مِن جَديد بِنِعمَةِ طِفلِ المَغارَةِ الآتي.

 

الخوري نسيم قسطون

ميلاد 2007